وجبة لا تسمن ولا تغني من جوع

article image

بعد عقود من الإقصاء والتغييب الإعلامي لفكر أهل البيت (عليهم السلام) التليد عاماً وللقضية المهدوية بالذات، كان الأمل والمأمول أن يُنفَض الغبار ويُرفع الحَيف عن تلك القضية التي تُمثل قطب الرحى بل حجر الزاوية للعقيدة الإسلامية حسب رسول قول الله (صلى الله عليه وآله ): (من أنكر القائم من ولدي فقد أنكرني) ، فإيصال المحتوى الثرّ للقضية المهدوية والتمهيد لظهور صاحبها (عجل الله فرجه الشريف) من مسؤوليات الإعلام وبصنوفه المتعددة والمتلونة، فلا يليق بقضية محورية اكتنز فلكها بالثراء إلا أن تتبوء مكانة سامقة في مختلف وسائلنا الإعلامية، وتكون نجمة في فضاء الإعلام الرحب وتأخذ حيزاً مُعتبراً يتناسب مع جسامتها، فلا يخفى على كل ذي لب إن تلك القضية عاشت وتعيش افتتاناً لم تمر به أي قضية أخرى على مر التاريخ، ويرجع ذلك للحرب الشعواء التي تُشن عليها عبر العصور ومن كل حدب وصوب، والمفارقة هنا إن بعض الإساءات المتطاولة لمقام القضية المهدوية تنطلق –أحياناً- من قواعد صديقة قبل قواعد العدو، وهذا مما يؤسف له شديد الأسف، فتغرصات نفرٍ من المحسوبين على الأتباع بُغية حيازة مكسب دنيوي بخس أ لهثاً وراء وجاهة اجتماعية موهومة جعل منهم أدوات تشويه للوجه الناصع لتلك القضية، لذلك أضحت الحاجة الثقافية المهدوية للمجتمع أكبر، وما الإعلام - ولاسيما المرئي منه- إلا جزءً من منظومة التمهيد والتبشير والتثقيف المهدوي، ولا نغالي إذا قلنا إنه اللعب الأكبر في ذلك، مع العلم إن معالم القضية المهدوية أكبر من أن يستوعبها أي نشاط إعلامي أو وسيلة نشر.
قد يقال إن الإعلام المرئي يتفوق على نظيره التقليدي الورقي وهذا الإدعاء له ما يسعفه، كون أن هنالك شرائح من المجتمع يناسبها المرئي أكثر، ومنهم الذين لا يجدون القراءة ولا الكتابة، وفئة الشباب التي تجذبهم وسائل الاتصال المرئية، وقبل هذا وذاك لا يكلف المرئي المتلقي ومهما كان تحصيله العلمي أومستواه الثقافي عناء القراءة والمطالعة والبحث والتمحيص، فهو سهل المأخذ والفهم، ورسالته أوضح وأبين لكل من يوجه له، كما إن الوسائل التي تعتمد على المادة الإعلامية المرئية كالتلفاز مثلاً هي أكثر انتشاراً لدرجة أننا لا نجد بيت يخلو من تلك الوسيلة الإعلامية، من أجل هذا كله تربع الإعلامي المرئي على عرش الوسائل الإعلامية، وهنا يأتي استفهامنا الذي يحق لنا طرحه على الجهات التي تنتمي لها القنوات المرئية -الملتزمة- وهو: ماذا قدم هذا اللاعب الكبير للمتلقي المنتظر في مضمار قضيته الأهم وهي القضية المهدوية خصوصاً إذا ما لاحظنا تزايد أعداد المحطات الفضائية المحسوبة والمنسوبة على المذهب يوماً بعد آخر، وإن كان هذا بحد ذاته انجاز يحسب للصحوة الإسلامية في البلد بعد التحرر، ورغم ذلك يرى الكثيرون إن الوجبة الثقافية المهدوية بتلك القنوات الفضائية وجبة لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تروي ظمأ المتلقي المتعطش، فالملاحظ إن المواد الإعلامية التي تدور في فلك القضية المهدوية وفي أحيانٍ كثيرة هي ضعيفة الحضور والتأثير، كونها تعتمد على البرامج الحوارية أو الدعاء للإمام ببعض الأدعية المأثورة في أوقات معينة وهذا من أدنى شك هو جيد، ولكننا ننتظر الأكثر والأفضل، كاستثمار القضية المهدوية في المجال الدرامي وإعداد برامج ومواد مرئية تفاعلية تساهم بربط الجمهور بإمامها تحوي شروط الفن ومقومات الإبداع، وتقدم بحلّة جميلة تستهوي قلوب المتلقين, وتضيف لهم وتؤثر فيهم، والمؤمل من أصحاب الشأن أن يوسعوا دائرة اهتمامهم ورعايتهم الإعلامية للبرامج المهدوية -كما وكيفاً- والخروج من بوتقة التقليد والرتابة، فالقضية بالغة الأهمية وشديدة الحساسية، ومفاصلها ومعتركاتها أكبر مما هو متناول في وسائلنا الإعلامية، فتقديم الإرث المهدوي بثوب قشيب منقبة لا تقابلها منقبة.